فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إذن فالحق سبحانه وتعالى يبني الأسرة على هذا المعنى. وأنتم تعلمون أن الالتقاءات التي تحدث عن غير طريق الله إنما تحدث في الخفاء، ومنكورة الثمرة، فإن جاء منها أثر وحمل فسيلقى الوليد في الشارع ويكون لقيطا وقد يميتونه، إنما الثمرة التي تأتي بالحل فالكل يفرح بها.
فالحق سبحانه وتعالى يقول: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَالِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} والاستمتاع أشياء كثيرة، وجاء الشيعة في قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.
وقالوا: هذا نكاح المتعة بدليل أنه سبحانه سمى ما أخذ في نظير ذلك أجرًا ونقول: كلمة أجر هذه واردة في الزواج، فسيدنا شعيب عندما جاءه سيدنا موسى عليه السلام قال له: أعطني أجر ثماني حجج. وسيأتي في الآية نفسها التي يتقولون بها ويقول: {وآتوهن أجورهن بالمعروف}. فسمى المهر أجرًا أيضا، فلماذا تأخذون هذا المعنى؟ هم يقولون: نكاح المتعة حدث، ونقول لهم: نكاح المتعة حدث ولننظر إلى أسبابه.
إن هذا النكاح قد حصل على يد مشرع وله حكمة، ولكن ماذا بعد أن أنهى المشرع هذا الحكم وانتقل إلى الرفيق الأعلى؟ لقد أنهى الحكم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم أحل زواج المتعة في فترة وجيزة حينما كانوا في غزوة من الغزوات، وذهب قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يريدون أن يبنوا حركة حياتهم على الإيمان الناصع. كان من الممكن أن يواروا هذه المسألة عن الرسول، إنهم قالوا له: يا رسول الله أنستخصي؟ أي نخصي أنفسنا؟ فما دام الجهاد يَطلب منا أن نكون في هذا الموقع بعيدا عن أهلنا فلنستخص حتى لا يكون عندنا رغبة. فأباح لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زواج المتعة؛ ولكنه أنهاه، والدليل على أنه أنهاه، أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، وأنتم تعلمون منزلته- رضي الله عنه- من التشريع في أحكام الله، إنه كان يقترح الاقتراح فينزل القرآن موافقا له، يقول عمر: ما يجيء واحد ليستمتع إلى أجل إلا رجمته.
إذن فانتهت المسألة، وسيدنا علي- كرم الله وجهه- أقر نَهْي سيدنا عمر، وقالوا: إن ابن عباس قال به: لكنه قال: إنني كنت قد أخطأت فيه، ونعلم أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجلسوا في فصول تعليمية لسماع الوحي، بل كان كل منهم يذهب إلى رسول الله بعد أن يفرغ من عمله، فهذا سمع وذلك لم يسمع. وهذا هو السبب في أن هذا يروى وذاك لم يرو، فسيدنا ابن عباس قال: إنني كنت أعرف مسألة المتعة، ولم يصح عندي خبر منعها إلا في آخر حياتي.
إذن فقول الشيعة: إن المتعة موجودة هو نتيجة استدلال خاطئ، فقوله سبحانه: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} علينا أن نقرنه بقوله أيضًا في المهور في الآية التالية: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} لأن هناك فرقًا بين الثمن وبين الأجر، فالثمن للعين، والأجر للمنفعة من العين، ولم يملك الرجل بمهره المرأة. إنما ملك الانتفاع بالمرأة، وما دام هو ملْكَ انتفاع فيقال له أجر أيضًا.
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} أي أن الذي فرض ذلك هو ربنا. {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} ونلحظ هنا أن هناك فرقًا بين أن يشرع الحق لحق، وأن يترك باب الفضل مفتوحا، فمن حقها أنها تأخذ المهر. لكن ماذا إن تراضت المرأة مع الرجل في ألا تأخذ المهر وتتنازل له عنه؟ أو أن يعطيها أكثر من المهر؟ هذا ما يدخل في قوله تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}، فلا لوم ولا تثريب فيما يتراضى به الزوجان من بعد الفريضة، وكلمة {تراضيتم} تدخل في قوله سبحانه: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} [النساء: 4].
وفي عصرنا نجد أن المرأة تأخذ مهرها من الرجل وتجهز منه أثاث البيت، مع أن المفروض أن يجهز الرجل لزوجته البيت وأن يبقى المهر كاملًا لها، ولكن التعاون هو الذي يعطي العطف والتكاتف.
ويذيل الحق الآية: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} إذن فكل أحكام الله مبنية على العلم بما يصلح خلقه، ولا يغيب عنه أمر كي يؤخر تشريعه، فتأخير التشريع يعني: أن الذي شرع غاب عن ذهنه جزئيات ما كانت في باله ساعة شرع، وحين يأتي الواقع يأتي له بجزئيات لم تكن موجودة، فيضطر إلى إصدار تشريع جديد يستدرك به ما لم يكن في باله. والذين يقولون: إن التشريع الإلهي لا يغطي حاجة البشر نقول لهم: من الذي سيغطيه؟ أنتم يا مفكرون أتعدلون على الله؟ إن الله يكشفكم أنكم تأتون بتقنينات، وبعد ذلك يظهر عيبها وعوارها وأخطاؤها فتضطرون أن تعدلوا، فسبحانه عليم حكيم. فإن أخر حكما عن ميعاده فقد اقتضت الحكمة أن يكون كذلك.
ومثال ذلك تحريم الخمر، لم يجيء به مرة واحدة، لأن الشيء الذي تحكمه العادة والإلف، لابد فيه من التريث، وأن يصدر التشريع على مراحل، وكل مرحلة تسهل المسألة بالنسبة لما سبقها، ويكون الأمر صعبا إذا كان التشريع دفعة واحدة لأن ترك العادة دون تدرج يكون عسيرا شاقا؛ لأن أهم شيء في الخمر أنها تقود إلى الاعتياد، بدليل أن مدمن الخمر عندما يمر عليه الوقت يضطرب فيأخذ كأسا ليستريح، وأول مرحلة في التحريم أن الحق كسر الاعتياد، وما دامت هي عادة متغلغلة فمن الصعب جدا أن ينزعها صاحبها من نفسه مرة واحدة. فأولا جاء الأمر كعظة، وبعد ذلك يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}. وما دامت لا تشربها وأنت تصلي فكم مرة تصلي؟ خمس مرات في النهار، إذن فعودك أن تترك وقتا من الأوقات غير ملتبس بالخمر، وتكون قد تعودت على ترك الخمر طوال النهار، وبعد ذلك يتدرج فيقول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219].
لكن الأحمق عادة يرجح الإثم ويفعله، وما دام سبحانه قال: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} إذن فالإثم يترجح. وبعد ذلك جعلها بعلمه سبحانه أمرًا نهائيا، والحكمة شاءت أن يكون التحريم بالتدريج. ويطمئننا الحق على أن علمه وحكمته منوط بها إخراج الأحكام، ولذلك قال: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106].
وسبحانه عليم لا يخفى عليه شيء، ويعلم أن امرأة أحبت زوجها لدرجة أن هذا الأجر ليس له قيمة، أو رجل أحب زوجته أيضًا لدرجة أن النقود ليس لها قيمة عنده، وما دام سبحانه حكيم. فهو قد يجري الأمور لا بحتمية ما افترض، ولكن بإبقاءٍ على فضل المتعاملين. اهـ.

.من فوائد صاحب روح البيان:

قال نجم الدين الكبرى قدس سره:
إن الله تعالى حرم المحصنات من النساء على الرجال عفة للحصانة وصحة للنسب ونزاهة لعرض الرجال عن خسة الاشتراك في الفراش علوا للهمة فإن الله يحب معالى الأمور ويبغض سفاسفها. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {والمحصنات مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ} قرأ الجمهور {والمحصنات} بفتح الصاد سواء كانت معرفة بأل أم نكرة والكسائي بكسرها في الجميع إلاَّ في قوله: {والمحصنات} في هذه الآية فَإنَّهُ وافق الجمهور فأما الفتح ففيه وجهان:
أشهرهما: أنَّهُ أسْنَدَ الإحصان إلى غيرهن، وهو إما الأزْوَاجُ أو الأولياء، فَإنَّ الزَّوج يحصن امرأته أي يعفها، والولي يحصنها بالتَّزويج أيضًا واللهُ يحصنها بذلك.
والثَّاني: أنَّ هَذَا المفتوح الصاد بمنزلة المكسور منها، يعني: أنه اسم فاعل، وَإنَّمَا شذ فتح عين اسم الفاعل في ثلاثة ألفاظ أحصن، فهو مُحْصَنٌ، وَألقح فهو مُلَقَّحٌ، وأسْهَبَ فهو مُسْهَبُ، وَأمَّا الكسرُ فَإنَّهُ أسند الإحصان إليهن؛ لأنَّهُنَّ يحصن أنفسهن بعفافهن، أو يحصن فروجهن بالحفظ، أو يحصن أزواجهن، وَأمَّا استثناء الكسائي الآية لتي هنا قال: لأن المراد بهن المُزَوَّجَات، [فالمعنى أنَّ أزواجهن أحصنوهن فهنَّ مفعولات، وهذا على أحد الأقوال في المحصناتِ هنا منهنَّ على أنَّهُ قد قُرِئَ شاذًا بالكسر في هذا أيضًا قال: وإنْ أُرِيدَ بهن المزوَجات]؛ لأنَّ المراد أحصن أزواجهن، وفروجهن وهو ظاهر.
وقرأ يزيد بن قطيب: {والمُحْصُنات} بضمّ الصّاد كأنَّهُ لم يعتد بالساكن فاتبع الصّاد للميم كقولهم: مَنْتُن، وأصل هذه المادة الدَّلالة على المنع ومنه الحصن؛ لأنَّهُ يمنع به، وحصان بالكَسْرِ للفرس من ذلك، ومدينة حصينةٌ ودرع حصينة أي: مَانِعَةٌ صاحبها من الجراح، قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ} [الأنبياء: 80] أي: لتمنعكم، والحَصَانُ: بالفتح المرأة العفيفة؛ لمنعها فرجها من الفَسَادِ، قال تعالى: {التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ} [التحريم: 12]، ويقال: أحْصَنَتِ المرأةُ وَحَصُنَتْ، ومصدر حَصُنَتْ: حصن عن سيبويه، وحصانة عن الكِسَائيِّ، وأبي عبيدةَ، واسمُ الفاعل من أحْصَنَتْ مُحْصَنَةٌ، ومن حَصُنَت حَاصِنٌ، قال الشاعر: [الرجز]
حَاصِنٍ مِنْ حَاصِنَاتٍ مُلْسِ ** مِن الأذى وَمِنْ قرافِ الْوَقْسِ

ويقالُ بها حصان كما تقدم بفتح الحاء قال حَسَّان يصف عائشة رضي الله عنها: [الطويل]
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تَزِنُ بِرِيبَةٍ ** وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

قوله: {كِتَابَ الله} في نصبه ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنَّهُ منصوبٌ على أنَّهُ مصدر مؤكّد بمضمون الجملة المتقدِّمة قبله، وهي قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} ونصبه بفعل مقدر تقديره كتب الله ذلك عليكم كتابًا، والمعنى: كتب اللهُ عليكم تحريم ما تقدَّمَ ذكره من المحرمات كتَابًا مِنَ اللهِ، ومجيء المصدر من غير لفظ الفعل كثير. قال تعالى: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب صُنْعَ الله} [النمل: 88]، وأبعد عبيدة السلماني في جعله هذا المصدر مؤكدًا لمضمون الجملة من قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم} من النساء.
الثاني: أنه منصوب على الأغراء بـ {عليكم} والتقدير: عليكم كتاب الله، أي: ألزموه كقوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ} [المائدة: 105] وهذا رأي الكِسَائيِّ ومن تابعه أجازوا تقديمَ المنصوب في باب الإغراء مستدلَّينَ بهذه الآية، وبقول الشَّاعِرِ: [الرجز]
يَأيُّهَا المَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا ** إنِّي رأيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا

فدَلْوِي منصوبٌ بدونك تقَدَّمَ، والبصريون يمنعون ذلك، قالوا: لأنَّ العامل ضعيف، وتأوَّلُوا الآية على ما تَقَدَّمَ والبيتَ على أنَّ دَلْوِي منصوب بالمائِحِ أي: الَّذِي مَاحَ دلوي.
والثَّالثُ: أنَّهُ منصوبٌ بإضْمْارِ فعل أي: الزموا كشتَابَ اللهِ وهذا قريب من الآخر.
وقال أبُو الْبَقَاءِ: هذا الوجه تقديره: الزموا كِتَاب اللهِ وعليكم: إغراء يعني: أنَّ مفعوله قد حُذِفَ للدلاَلَةِ بـ {كِتَابَ الله} عليه. أيْ عليكم ذلك فيكون أكثر تأكيدًا، وأمَّا عليكم فقال أبُو الْبَقَاءِ: إنَّهَا على القَوْلِ بأنَّ كِتَابَ اللهِ مصدرٌ يتعلَّقُ بذلك الفعل المقدر النَّاصب لكتاب، ولا يتعلَّق بالمصدر وقال: لأنَّهُ هنا فَضْلة، قال: وقيل: يتعلَّق بنفس المصدر؛ لأنَّهُ ناب عن الفعل حيثُ لم يذكر معه فهو كقولك: مرورًا بِزَيْدٍ، قلت وَأمَّا على القول بأنَّهُ إغراء فلا محل له من الإعراب لأنه واقع موقع فعل الأمر وأما على القول بأنَّه منصوبٌ بإضْمَارِ فعل أي الزموا فَعَلَيْكُمْ متعلِّقٌ بنفس كتاب، أو محذوف على أنَّهُ حالٌ منه.
وقرأ أبُو حَيْوَةَ {كتب الله} جعله جَمْعًا مرفوعًا مضافًا للهِ تعالى على أنَّه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه كُتُبُ اللهِ عليكم.